فصل: ومن باب حبس لحوم الأضاحي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب ما يكره من الضحايا:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز قال سألنا البراء بن عازب ما لا يجوز في الأضاحي فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع لا يجزي في الأضاحي العوراء بين عورها والمريضة بين مرضها والعرجاء بين ظلعها والكسير التي لا تنقى».
قوله: «لا تنقى» أي لا نِقيَ لها وهو المخ، وفيه دليل على أن العيب الخفيف في الضحايا معفو عنه ألا تراه يقول بين عورها وبين مرضها وبين ظلعها فالقليل منه غير بين فكان معفوًّا عنه.
قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن ثور حدثني أبو حميد الرُعيني أخبرني يزيد ذو مُضَر قال أتيت عتبة بن عبد السلمي فسألته فقال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُصَفّرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء. فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو سماخها والمستأصلة قرنها من أصله والبخقاء التي تبخق عينها والمشيِّعة التي لا تتبع الغنم عجفًا وضعفًا والكسراء الكسير».
قال الشيخ إنما سميت الشاة التي استؤصلت أذنها مصفرة لأن الأذن إذا زالت صفِر مكانها أي خلا والمشيعة هي التي لا تلحق الغنم لضعفها وهزالها فهي تشيعها من ورائها وبَخْق العين فقؤها.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن شريح بن النعمان، وكان رجل صدق عن علي رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مُدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء»، قال زهير فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء قال لا قلت فما المقابلة قال يقطع طرف الأذن، قلت فما المدابرة قال يقطع مؤخر الأذن قلت فما الشرقاء قال يشق الأذن قلت فما الخرقاء قال تخرق أذنها السمة.
قلت: تفسير هذه الحروف عند أهل اللغة كنحو مما ذكر في الحديث، والعضب كسر القرن وكبش أعضب ونعجة عضباء. وقوله: «نستشرف العين والأذن» معناه الصحة والعظم ويقال أذن شُرافية.
قال أبو عبيد قال الأصمعي الشرقاء من الغنم المشقوقة الأذنين والخرقاء أن يكون في الأذن ثقب مستدير والمقابلة أن يقطع من مقدم أذنها شيء ثم يترك معلقا كأنه زنمة والمدابرة أن يفعل ذلك بمؤخر الأذن من الشاة.
واختلف العلماء في مقادير هذه العيوب وما يجوز منها في الضحايا وما لا يجوز فقال مالك إذا كان القطع قليلا والشق لم يضر فإن كثر لم يجز.
وقال أصحاب الرأي إذا بقي أكثر من النصف من الأذن والذنب والعين أجزأ.
وقال إسحاق بن راهويه إذا كان الثلث فما دونه أجزأ وإن كان أكثر من الثلث لم يجزه.
واختلفوا في المكسورة القرن فأجازها مالك والشافعي وكذلك قال أصحاب الرأي، وقال إبراهيم النخعي إن كان قرنها الداخل صحيحا فلا بأس، يَعني المشاش.

.ومن باب حبس لحوم الأضاحي:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت سمعت عائشة تقول: «دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي قالت فلما كان بعد ذلك قيل يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويجملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك أو كما قال قالوا يا رسول الله نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفّتْ فكلوا وتصدقوا وادّخروا».
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد الحذاء، عَن أبي المليح عن نُبيشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا الأوان هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله».
قول: «دف ناس» معناه أقبلوا من البادية والدف سير سريع يقارب فيه بين الخطو يقال دف الرجل دفيفا وهم دافة أي جماعة يدفون وإنما أراد قومًا أقحمتهم السنة وأقدمتهم الجماعة يقول إنما حرمت عليكم الإدخار فوق ثلاث لتواسوهم وتتصدقوا عليهم فأما وقد جاء الله بالسعة فادخروا وما بدا لكم.
وقوله: «واتجروا» أصله ايتجروا على وزن افتعلوا يريد الصدقة التي يبتغي أجبرها وثوابها، ثم قيل اتجروا كما قيل اتخذت الشيء وأصله أيتخذته وهو من الأخذ كهو من الأجر وليس من باب التجارة لأن البيع في الضحايا فاسد إنما تؤكل ويتصدق منها.
وقوله: «هذه الأيام أيام أكل وشرب» فيه دليل على أن صوم أيام التشريق غير جائز لأنه قد وسمها بالأكل والشرب كما وسم يوم العيد بالفطر ثم لم يجز صيامه فكذلك أيام التشريق. وسواء كان ذلك تطوعًا من الصائم أو سيرًا أو صامها الحاج عن التمتع. وقوله: «يجملون الودك» معناه يذيبونه قال لبيد:
واشتوى ليلة ريح واجتمل

ومن هذا قيل فلان جميل الوجه يريدون به الحسن والنضارة كأنه دهين صقيل.

.كتاب الجهاد:

.ومن باب سكنى البدو:

قال أبو داود: حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبى سعيد الخدري «أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال ويحك إن شأن الهجرة شديد فهل لك من إبل قال نعم، قال فهل تؤدي صدقتها قال: نعم قال فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يَتِرك من عملك شيئا».
وقوله: «لن يَتِرك» معناه لن ينقصك ومن هذا قوله تعالى: {ولن يتركم أعمالكم} [محمد: 35] والمعنى أنك قد تدرك بالنسبة أجر المهاجر وإن أقمت من وراء البحار وسكنت أقصى الأرض.
وفيه دلالة على أن الهجرة إنما كان وجوبها على من أطاقها دون من لا يقدر عليها.
قال أبو داود: حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبى شيبة قالا: حَدَّثنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: «سألت عائشة عن البداوة فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التِلاع وأنه أراد البداوة مرة فأرسل إلى ناقة مُحرّمة من إبل الصدقة فقال لي يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء إلاّ زانه ولا نزع من شيء قط إلاّ شانه».
البداوة الخروج إلى البدو والمقام به وفيه لغتان البداوة بفتح الباء والبداوة بكسرها. والناقة المحرمة هي التي لم تركب ولم تذلل فهي غير وطيئة ويقال أعرابي مُحرَّم إذا كان جلفا لم يخالط أهل الحضر. والتلاع جمع تَلعة وهي ما ارتفع من الأرض وغلظ وكان ما سفل منها مسيلًا لمائها.

.ومن باب هل انقطعت الهجرة:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة «لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا».
قال: وحدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن جرير عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».
قلت: كانت الهجرة في أول الإسلام مندوبًا إليها غير مفروضة وذلك قوله: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغمًا كثيرًا وسعة} [النساء: 100] نزل حين اشتد أذى المشركين على المسلمين عند انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمروا بالانتقال إلى حضرته ليكونوا معه فيتعاونوا ويتظاهروا إن حزبهم أمر وليتعلموا منه أمر دينهم ويتفقهوا فيه وكان عظم الخوف في ذلك الزمان من قريش وهم أهل مكة فلما فتحت مكة ونخعت بالطاعة زال ذلك المعنى وارتفع وجوب الهجرة وعاد الأمر فيها إلى الندب والاستحباب فهما هجرتان فالمنطقة منهما هي الفرض والباقية هي الندب فهذا وجه الجمع بين الحديثين على أن بين الإسنادين ما بينهما إسناد حديث ابن عباس متصل صحيح وإسناد حديث معاوية فيه مقال.
وقوله: «إذا استنفرتم فانفروا» فيه إيجاب النفير والخروج إلى العدو إذا وقعت الدعوة وهذا إذا كان فيمن بإزاء العدو كفاية فإن لم يكن فيهم كفاية فهو فرض على المقيمين المطيقين للجهاد والاختيار للمطيق له مع وقوع الكفاية بغيره أن لا يقعد عن الجهاد. قال الله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى} [النساء: 95].
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: {انفروا خفافا وثقالا} [التوبة: 41] نسخه قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} [التوبة: 212] الآية.

.ومن باب سكنى الشام:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم تقذَرهم نفسُ الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير».
قوله: ستكون هجرة بعد هجرة معنى الهجرة الثانية الهجرة إلى الشام يرغب في المقام بها وهي مهاجر إبراهيم صلوات الله عليه. وقوله: «تقذرهم نفس الله» تأويله أن الله يكره خروجهم إليها ومقامهم بها فلا يوفقهم لذلك فصاروا بالرد وترك القبول في معنى الشيء الذي تقذره نفس الإنسان فلا تقبله. وذكر النفس هاهنا مجاز واتساع في الكلام وهذا شبيه بمعنى قوله: {ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين} [التوبة: 46].

.ومن باب دوام الجهاد:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قتادة عن مطرف عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال».
قلت: فيه بيان أن الجهاد لا ينقطع أبدا وإذا كان معقولا لأن الأئمة كلهم لا يتفق أن يكونوا عدلا فقد دل هذا على أن جهاد الكفار مع أئمة الجور واجب كهو مع أهل العدل وإن جورهم لا يسقط طاعتهم في الجهاد وفيما أشبه ذلك من المعروف. وقوله: «ناوأهم» يريد ناهضهم للقتال وأصله من ناء ينوء إذا نهض والمناوأة مهموزة مفاعلة منه.

.ومن باب القفل في سبيل الله:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن المصفى حدثنا علي بن عياش عن الليث بن سعد حدثنا حيوة عن ابن شُفي عن شُفي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قفلة كغزوة».
قلت: هذا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أراد به القفول عن الغزو والرجوع إلى الوطن يقول إن أجر المجاهد في انصرافه إلى أهله كأجره في إقباله إلى الجهاد وذلك لأن تجهيز الغازي يضر بأهله وفي قفوله إليهم إزالة الضرر عنهم واستجمام للنفس واستعداد بالقوة للعود، والوجه الآخر أن يكون أراد بذلك التعقيب وهو رجوعه ثانيا في الوجه الذي جاء منه منصرفا وإن لم يلق عدوا ولم يشهد قتالا وقد يفعل ذلك الجيش إذا انصرفوا من مغزاتهم وذلك لأحد أمرين أحدهما أن العدو إذا رأوهم قد انصرفوا عن ساحتهم أمنوهم فخرجوا من مكامنهم فإذا قفل الجيش إلى دار العدو نالوا الفرصة منهم فأغاروا عليهم. والوجه الآخر أنهم إذا انصرفوا من مغزاتهم ظاهرين لم يأمنوا أن يقفو العدو أثرهم فيوقعوا بهم وهم غادون فربما استظهر الجيش أو بعضهم بالرجوع على أدراجهم بغضون الطريق فإن كان من العدو طلب كانوا مستعدين للقائهم وإلا فقد سلموا واحرزوا ما معهم من الغنيمة.

.ومن باب ركوب البحر:

قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرف عن بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تركب البحر إلاّ حاجًا أو معتمرًا وغازيًا في سبيل الله فإن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا».
قلت: في هذا دليل على أن من لم يجد طريقا إلى الحج غير البحر فإن عليه أن يركبه وقال غير واحد من العلماء إن عليه ركوب البحر إذا لم يكن له طريق غيره.
وقال الشافعي لا يتبين لي أن ذلك يلزمه وقد ضعفوا إسناد هذا الحديث.
وقوله: «إن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا» تأويله تفخيم أمر البحر وتهويل شأنه، وذلك لأن الآفة تسرع إلى راكبه ولا يؤمن الهلاك في ملابسة النار ومداخلتها والدنو منها.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن بكار حدثنا مروان حدثنا هلال بن ميمون الرملي عن يعلى بن شداد عن أم حِرام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد والغريق له أجر شهيدين».
المائد هو الذي يدار برأسه من ريح البحر وصيده يقال ماد الرجل يميد إذا مال وغصن مياد إذا كان يتثنى ويتأود من لينه ومن ذلك قوله سبحانه: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [لقمان: 10].
قال أبو داود: حدثنا عبد السلام بن عتيق الدمشقي حدثنا أبو مسهر حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا الأوزاعي حدثني سليمان بن حبيب، عَن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة كلهم ضامن على الله رجل خرج غازيًا في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة. ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله. ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل».
قلت: قوله: «ضامن على الله» معناه مضمون فاعل بمعنى مفعول كقوله سبحانه: {في عيشة راضية} [الحاقة: 21] أي مرضية وقوله عز وجل: {من ماء دافق} [الطلاق: 6] أي مدفوق ومثله في الكلام كثير. وقوله: «ثلاثة كلهم ضامن» يريد به كل واحد منهم وأنشدني أبو عمر، عَن أبي العباس في كل بمعنى الواحد.
فكلهم لا بارك الله فيهم ** إذا جاء ألقى خده فتسمعا

يريد كل واحد منهم. وقوله: «ورجل دخل بيته بسلام» يحتمل وجهين أحدهما أن يسلم إذا دخل منزله كما قال تعالى: {فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} [النور: 61] والوجه الآخر أن يكون أراد بدخول بيته بسلام أي لزم البيت طلب السلامة من الفتن يرغب بذلك في العزلة ويأمره بالإقلال من الخلطة.